يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام
معاني المفردات
فأوليه قفاي : أي أنه كان يستر النبي -صلى الله عليه وسلم- بجسمه بحيث يجعل ظهره مما يلي النبي -صلى الله عليه وسلم- فيستره عن الناس وعن نفسه. قفاك : القفا مؤخر العنق. فبال على صدره : يعني: بال على موضع في الصدر من الثياب. الجارية : الجاريه: الفتيَّة من النساء، والمراد هنا: الطفلة الصغيرة في زمن الرضاع. يغسل : أي كما يغسل من بول الكبيرات, فحكم بولها كحكم بول الكبيرات, بأن يُغمر الثوب بالماء حتى ينزل عنه. يرش : الرش هو النضح، وهو دون الصب؛ بل يكاثر الثوب بالماء مكاثرة لا تبلغ جريان الماء وتقاطره. الغلام : هو الابن الصغير من الولادة حتَّى البلوغ، والمراد به هُنا الذي يكون في زمن الرضاع.
شرح الحديث
يذكر أبو السمح رضي الله عنه أنه كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه -عليه الصلاة والسلام- ربما أراد أن يغتسل فيطلب من أبي السمح أن يوليه ظهره، فكان يستر النبي صلى الله عليه وسلم بجسمه بحيث يجعل ظهره مما يلي النبي صلى الله عليه وسلم فيستره عن الناس وعن نفسه، ثم ذكر حادثة وقعت له مع النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث أتي بالحسن أو الحسين فبال على ثياب النبي صلى الله عليه وسلم من جهة صدره، فأراد أبو السمح أن يغسله، فبيَّن له النبي صلى الله عليه وسلم أن بول الرضيع الذي لم يأكل الطعام يكفي في تطهيره -إن أصاب الثوب- أن يُرش بالماء رشّا يعم مكان البول، ولا يجب غسله، بخلاف بول الجارية فالواجب غسل الثوب منه، ولو كانت رضيعة، ومما ذكره أهل العلم من وجوه الفرق بين الصبي والصبية: - كثرة حمل الرجال والنساء للطفل الذكر، فتعم البلوى ببوله فيشق غسله. - أن بوله يخرج بقوة وشدة دفع، فينتشر وتكثر الإصابة منه، فيشق غسل ما أصابه كله، بخلاف بول الأنثى. - أن بول الأنثى أخبث وأنتن من بول الذكر، وسببه حرارة الذكر، ورطوبة الأنثى، فالحرارة تخفف من نتن البول، وتذيب منها ما يحصل مع الرطوبة. هذه من الحِكَمِ التي تلمَّسها العلماء للفرق بين بول الغلام وبين بول الجارية، فإنْ صحَّتْ، فهي حِكَمٌ معقولة؛ لأنَّها فروق واضحة، وإنْ لم تصح فالحكمة هي حُكْمُ الله تعالى؛ فإنَّنا نعلم يقينا أنَّ شرع الله هو الحكمة؛ فانَّ الشرع لا يفرِّقُ بين شيئين متماثلين في الظاهر، إلاَّ والحكمة تقتضي التفريق، ولا يجمع بينهما إلاَّ والحكمة تقتضي الجمع؛ لأنَّ أحكام الله لا تكون إلاَّ وفق المصلحة؛ ولكن قَدْ تظهر وقد لا تظهر.
التوثيق
- الدرجة: صحيح
- المصدر: رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه
من فوائد الحديث
أن بول البنت نجس كغيره من النجاسات، ولو كانت في سن الرضاع, فيغسل منه الثوب وغيره إذا أصابه؛ كما يغسل من سائر النجاسات. بول الغلام الذي لم يأكل الطعام لشهوة: نجس؛ ولكن نجاسته أخفُّ نجاسةً من بول البنت. يكفي في تطهير ما أصابه بولُ الغلام الذي لم يأكل الطعام لشهوة: رشُّه بالماء فقط، دون غسله. أنَّ الأصل في أحكام الغلام والجارية أنهما سواء؛ فتفريق السنة بينهما في البول دليل على أنَّ ما عداهما باقٍ على الأصل. أن المشقة تجلب التيسير, فلما كان الغلام عادةً أَرغَبَ عند أهله من الجارية؛ فيكثر حمله وتكثر إصابة حامله ببوله، فمن باب التيسير خفف في غسل نجاسة بوله. أن العذرة (وهو الغائط) من الغلام والجارية على حد سواء؛ لأن التفريق إنما كان في البول فقط, فتبقى العذرة على ما هي عليه.