تحاجت الجنة والنار، فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين، والمتجبرين، وقالت الجنة: فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وغرتهم
معاني المفردات
تحاجت : أظهرتا حجج التفضيل، فكل واحدة تدعي الفضل على الأخرى. أُوثرت : اِخْتَصَصْتُ. المتكبرين : المتعظِّمين بما ليس فيهم. المتجبِّرين : المتسلطين على الخلق بالقهر. سَقَطهم : ضعفاؤهم والمتحقرون منهم. غِرَّتهم : البله الغافلون عن الحذق في أمور الدنيا. قَط : يكفيني. يزوي : يُضم بعضها إلى بعض فتجتمع وتلتقي على من فيها.
شرح الحديث
افتخرت النار على الجنة بأنها محل انتقام الله تعالى من الطغاة والمتكبرين والمجرمين الذين عصوا الله وكذَّبوا رسله، وأما الجنة فإنها اشتكت لكون من يدخلها الضعفاء والفقراء وأهل المسكنة غالباً، بل هم متواضعون لله خاضعون له، وهذا القول قالته الجنة والنار حقيقة، وقد جعل الله لهما شعوراً وتمييزاً، وعقلاً ونطقاً، والله لا يعجزه شيء. فقال الله للجنة: «إنما أنت رحمتي أرحمُ بك مَن أشاءُ من عبادي»، وقال للنار: «إنما أنت عذابي أُعذِّب بك مَن أشاء من عبادي» هذا هو حكم الله بينهما، يعني: أن الله تعالى خلق الجنة ليرحم بدخولها من شاء من عباده، من يتفضل عليه ويجعله مؤهَّلاً لذلك، وأما النار فخلقها لمن عصاه وكفر به وبرسله، يعذبهم بها، وذلك كله ملكه يتصرف فيه كيف يشاء، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، ولكن لا يدخل النار إلا من استوجبها بعمله. ثم قال: «ولكل واحدة منكما ملؤها» وهذا وعد من الله تعالى لهما بأن يملأهما بمن يسكنهما، وقد جاء الطلب من النار صريحًا، كما قال تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} ، وأقسم الله تعالى ليملأن جهنم من الجِنَّةِ والناس أجمعين، فالجنة والنار دار بني آدم والجن بعد الحساب، فمن آمن وعبد الله وحده، واتبع رسله، فمصيره إلى الجنة، ومن عصى وكفر وتكبر فمصيره إلى النار. قال: «فأما النارُ فلا تمتلئُ حتى يضعَ الله تبارك وتعالى رِجْلَه، تقول: قَطِ قَطِ قَطِ، فهنالك تمتلئ، ويَزْوِى بعضُها إلى بعض، ولا يظلم اللهُ من خلقه أحدا» فالنار لا تمتلئ حتى يضع الله تعالى عليها رجله فتنضم ويجتمع بعضها إلى بعض، وتتضايق على من فيها، وبذلك تمتلئ ولا يظلم ربك أحداً. ويجب إثبات الرِّجل لله تعالى من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل، ثم قال: «وأما الجنةُ فإنَّ اللهَ يُنشئ لها خَلْقًا» أما الجنة فلا تمتلئ حتى يخلق الله تعالى لها خلقًا آخرين، فبهم تمتلئ.
التوثيق
- الدرجة: صحيح
- المصدر: متفق عليه
من فوائد الحديث
هذا الحديث على ظاهره وأن الله تعالى جعل في النار والجنة تمييزا تدركان به فتحاجتا ولايلزم من هذا أن يكون ذلك التمييز فيهما دائمًا. في الحديث دلالة على اتساع الجنة والنار، بحيث تسع كل من كان، ومن يكون إلى يوم القيامة، وتحتاج إلى زيادة. إثبات الرجل لله تعالى، وجاء في رواية أخرى لهذا الحديث (القدم) مكان (الرجل) وهي صفة لله تعالى حقيقة على ما يليق بعظمته دون تأويلها أو تشبيهها أو خوض في تكييفها.