كان ابن لأبي طلحة رضي الله عنه يشتكي، فخرج أبو طلحة، فقبض الصبي
معاني المفردات
يشتكي : يُعاني المرض. هو أسكن ما كان : المقصود: أنه مات. أصَاب منها : جامعها. وارُوا الصَّبي : ادفنوه. أعَرَّسْتُمُ : أوقع منكم جماع. حنَّكَه : التحنيك: مَضْغُ الشيء، ووضعه في فَمِّ الصَّبي ودلك حَنَكَه به. تَصَنَّعَتْ له : تزيَّنت وتجمَّلت له، وفي رواية: "ثم تَطَيَّبَت". وقَعَ بها : جامعها. أرأيت : أخْبِرْني. احْتَسِبْ : اطلب ثواب مصيبتك في ابنك من الله -تعالى-. عَارِيَتَهُمْ : العارية: ما تعطيه غيرك على أن يعيده إليك. تَلطَّخْتُ : تقذَّرت بالجماع. لا يَطْرُقُهَا طُرُوقًا : لا يدخل عليها ليلاً. المَخَاضُ : وجع الطلق والولادة. احْتَبَسَ عليها : حبس نَفْسَه عليها، فأقام معها وتأخر عن ركْبِ الرسول -صلى الله عليه وسلم -. احْتَبَسْتُ بما ترى : مُنعت من الدخول بسبب ما نَزَل بأم سليم.
شرح الحديث
حديث أنس بن مالك عن أبي طلحة أنه كان له ابن يشتكي، يعني مريضا، وأبو طلحة كان زوج أم أنس بن مالك رضي الله عنهم، تزوج بها بعد والد أنس، فخرج أبو طلحة لبعض حاجاته، فمات الصبي، فلما رجع سأل أمه عنه فقال: كيف ابني؟ قالت: هو أسكن ما يكون. وصدقت في قولها، هو أسكن ما يكون؛ لأنه مات، وأبو طلحة ـرضي الله عنهـ فهم أنه أسكن ما يكون من المرض، وأنه في عافية، فقدمت له العشاء فتعشى على أن أبنه برئ. ثم أصاب منها، يعني جامعها، فلما انتهى قالت: واروا الصبي. أي: ادفنوا الصبي؛ فإنه قد مات، -على الرواية الأولى- فلما أصبح أبو طلحة رضي الله عنه وارى الصبي وعلم بذلك النبي صلي الله عليه وسلم، وسأل: (هل أعرستم الليلة؟) قال: "نعم"، فدعا لهما -عليه الصلاة والسلام- بالبركة فولدت رضي الله عنها غلاما مباركًا. قال أنس: فقال لي أبو طلحة: احمله حتى تأتي به النبيّ صلى الله عليه وسلم وبعث معه بتمرات ليحنكه بها، ليكون أو ل ما ينزل في جوف الصبي ريق النبي صلى الله عليه وسلم ، فتحل عليه البركة. فلما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمعه شيء؟) أي: مما يحنك به ، فأجابه أنس رضي الله عنه بأن معه تمرات فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم فمضغها؛ لتختلط بريقه الشريف ويقدر الصبي على إساغتها، فيكون أول ما يدخل جوفه الممتضغ بريق المصطفى صلى الله عليه وسلم فيسعد ويبارك فيه، ثم أخرج النبي صلى الله عليه وسلم التمرات الممضوغات من فيه فجعلها في فم الصبي، ثم دلكها بحنكه وسماه عبد الله، وكان لهذا الغلام تسعة من الولد كلهم يقرأون القرآن ببركة دعاء النبي ـصلى الله عليه وسلم- وأما على رواية مسلم : فقالت لأهلها: "لا تُحَدِّثُوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا من أخبره الخبر" ، فلما دخل جاء أبو طلحة ، قربت له العشاء فأكل وشرب، ثُم تجملت له وتطيبت وتصنعت، فوقع عليها ولما فرغ من جماعها ضربت له مثلا لابنه بالعارية التي تُرد إلى أصحابها فقالت له : يا أبا طلحة، أرأيت لو أن قوما أعاروا عاريتهم أهل بيت، ثم طلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم؟ قال : لا. فقالت: فاحتسب ابنك، فلما سمع منها ما سمع غضب رضي الله عنه ، ثم قال: تَرَكْتِنِي حتى إذا تَلَطَّخْتُ ثم أخبرتني بابني؟! فانطلق إلى النبي -صلى الله عليه سلم- شاكيا زوجته وما كان منها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم داعياً لهما بما يعود نفعه عليهما الجميل فعلهما: (بارك الله لكما في ليلتكما) أي فيما فعلتماه فيها؛ بأن يجعله نتاجاً طيباً وثمرة حسنة. ثم حملت -رضي الله عنها- بعد ذلك وكانت هي وزوجها مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فلما أرادوا دخول المدينة ضربها المخاض، أي : شعرت رضي الله عنها بآلام الولادة، وكان من عادته صلى الله عليه وسلم لا يدخل المدينة ، حتى يُرسل رسولا يخبرهم بقدوم القافلة، فَاحْتُبِسَ عَلَيْهَا أبو طلحة رضي الله عنه عند ذلك لاشتغاله بشأنها، وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم دعا أبو طلحة ربه بقوله: إنك لَتَعْلَمُ يا رب أنه يعجبني أن أخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج وأدخل معه إذا دخل وَقَدِ احْتَبَسْتُ بِمَا تَرَى، فقالت له أم سليم رضي الله عنها : يا أبا طلحة، ما أجد الذي كنت أجد. أي: ما أجد ألم الوضع الذي كنت أجده من قبل، ثم قالت له: انطلق. فلما قدموا المدينة ضربها المخاض، فولدت غلامًا ، ثم أمرت أنسًا رضي الله عنه أن يذهب به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأن لا يرضعه أحد من المرضعات ؛ ليكون أول ما ينزل في جوفه ريق النبي صلى الله عليه وسلم فيعود عليه بخير الدارين، وقد ظهر أثره في هذا الغلام بتكثير بنيه الصالحين الأتقياء الفالحين. ومما يختم به هذا الشرح أن التبرك بما انفصل من الجسد من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ، التي لا يشركه أحد من هذه الأمة، وأكبر دليل على ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم الذين شاهدوا التنزيل ووقفوا على حقائق الدين، لم يتبركوا بالخلفاء الراشدين، ولا بغيرهم من أهل العشرة.
التوثيق
- الدرجة: صحيح
- المصدر: متفق عليه
من فوائد الحديث
فضل الصبر والتسليم لأمر الله -تعالى-، وأن فاعل ذلك رجي له الإخلاف في الدنيا والأجر في الآخرة، كما في الدعاء المأثور: "اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها". في الحديث مثال واقعي للمرأة المسلمة والزوجة الصالحة في عقلها الكبير وذكائها الوقاد. صبر أم سليم -رضي الله عنها- على موت ولدها مثال يحتذى به في الصبر على المصائب. التلطف في الإخبار عند وجود المصيبة. إيثار إرضاء الزوج على حزنه، وهذا من وفاء الزوجة لزوجها. حُبُّ الصحابة للنبي -صلى الله عليه وسلم- والحرص على ملازمته واستشارته. من السنة أن يخفف كل من الزوجين مصيبة الآخر. اختيار الأسماء الكريمة للأبناء، وأفضل الأسماء عبدالله وعبد الرحمن. من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه؛ فعندما احتسب أبو طلحة ولده أخلفه الله آخر، وأصلح له ذريته وبارك فيها. تزيين المرأة لزوجها أدعى لدوام العشرة وتمكين المودة، كما صنعت أم سليم لأبي طلحة -رضي الله عنهما- وأقرها الرسول -صلى الله عليه وسلم- بدعائه لهما بالبركة. اجتهاد المرأة في عمل مصالح زوجها والقيام على خدمته، كما صنعت أم سليم حيث قربت له العشاء فتعشى، وتهيأت له ثم بلغته الخبر بحكمة وحسن رأي. جواز المعاريض عند الحاجة إليها، وأن ذلك لا يعدُّ من الكذب، وهي أن يقول كلامًا يحتمل وجهًا يقصده في نفسه ويوهم السامع به احتمالًا آخر، وشرط جوازها: أن لا تبطل حقاً، ولا تمكن لباطل، وأن يحتمل اللفظ ذلك المعنى في اللغة. بركة دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-، حيث كان للمولود تسعة من الولد كلهم يقرأون القرآن، ببركة دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-. إجابة دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم-. كرامة لأبي طلحة، فإن الله تعالى استجاب له دعائه: (إنك لَتَعْلَمُ يَا رَبِّ أنه يُعْجِبُنِي أن أخرج مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج وأدخل معه إذا دخل وقد احْتَبَسْتُ بما ترى). مشروعية تحنيك الصَّبي عند الولادة. اللجوء إلى الله عند طلب مرغوب أو صرف مرهوب، فإن أبا طلحة -رضي الله عنه- دعاء ربه ؛ ليكون برفقة النبي -صلى الله وسلم- ذهابا وإيابا ولا يتخلف عنه. جواز التوسل بالأعمال الصالحة.