انطلقَ ثلاثةُ نَفَرٍ ممن كان قبلكم حتى آواهم المبِيتُ إلى غَارٍ فدخلوه، فانحدَرَتْ صخرةٌ من الجبل فسَدَّتْ عليهم الغار
معاني المفردات
نفر : ما بين الثلاثة إلى العشرة. آواهم المبيت إلى غار : أي دفعهم طلب البيات إلى أن يلجأوا إلى الغار.والغار: الكهف. لا أغبق : الغَبوق: شرب اللبن وقت العشاء. فنأى بي طلب الشجر : نأى: بعد، والمراد: أنه بعد به طلب الشجر لغنمه عن المكان الذي اعتاده. فلم أُرِح عليهما : فلم أرجع إليهما. القَدَح : إِنَاء يشرب بِهِ المَاء ونَحْوه. برق الفجر : طلع وظهر. يتضاغَون : يصيحون ويستغيثون من الجوع. ابتغاء وجهك : طلبا لرضاك بإخلاص وتجرد. ففرج : دعاء من التفريج؛ أي: افتح. فأردتها : كناية عن طلب الجماع، والمراد الزنا. ألمت : نزلت. السنة : الجدب والفقر. قدرت عليها : تمكنت من الوقاع بها من غير معارض. لا تفض : الفض: الكسر والفتح. الخاتم : كناية عن البكارة. إلا بحقه : بزواج مشروع. فثمرت أجره : كثرت أجره بتنميته حتى أصبح مالا كثيرا. أغبق أهلا : أسقيهم الغبوق. ولا مالا : أي: من رقيق وخدم.ويُحتمل المال: الإبل، يعني: يُرضع صغارها من أمهاتها.
شرح الحديث
انطلق ثلاثة رجال، فدفعهم طلب البيات إلى أن يلجأوا إلى الكهف، فانحدَرَتْ صخرةٌ من الجبل فسَدَّتْ عليهم الكهف، ولم يستطيعوا أن يزحزحوها؛ لأنها صخرة كبيرة، فرأوا أن يتوسلوا إلى الله سبحانه وتعالى بصالح أعمالهم. أما الأول فذكر أن له أبوين شيخين كبيرين وكان له غنم، فكان يسرح فيها ثم يرجع في آخر النهار، ويحلب الغنم، ويعطي أبويه- الشيخين الكبيرين- ثم يعطي بقية أهله وماله، فيقول: بعد بي طلب الشجر الذي يرعاه. فرجع، فوجد أبويه قد ناما، فنظر، هل يسقي أهله وماله قبل أبويه، أو ينتظر حتى برق الفجر، فاختار أن ينتظر حتى يطلع الفجر -وهو ينتظر استيقاظ أبويه-، فلما استيقظا وشربا اللبن سقى أهله وماله، ثم قال: اللهم إن كنت مخلصاً في عملي هذا- فعلته من أجلك- فافرج عنا ما نحن فيه، انفرجت الصخرة، لكن انفراجًا لا يستطيعون الخروج منه. أما الثاني: فتوسل إلى الله عز وجل بالعفة التامة، وذلك أنه كان له ابنة عم، وكان يحبها حبًّا شديدًا كأشد ما يحب الرجال النساء "فأرادها على نفسها"، أي أرادها- والعياذ بالله- بالزنا؛ ليزني بها، ولكنها لم توافق وأبت، ثم أصابها فقر وحاجة فاضطرت إلى أن تجود بنفسها في الزنا من أجل الضرورة، وهذا لا يجوز، ولكن على كل حال، هذا الذي حصل، فجاءت إليه، فأعطاها مائة وعشرين دينارا من أجل أن تمكنه من نفسها، ففعلت من أجل الحاجة والضرورة، فلما جلس منها مجلس الرجل من امرأته على أنه يريد أن يفعل بها، قالت له هذه الكلمة العجيبة العظيمة: "اتق الله، ولا تفض الخاتم إلا بحقه"، فقام عنها وهي أحب الناس إليه، لكن أدركه خوف الله عز وجل وترك لها الذهب الذي أعطاها، ثم قال: "اللهم إن كنت فعلت هذا لأجلك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة، إلا أنهم لا يستطيعون الخروج". وأما الثالث: فتوسل إلى الله سبحانه وتعالى بالأمانة والإصلاح والإخلاص في العمل، فإنه يذكر أنه استأجر أجراء على عمل من الأعمال، فأعطاهم أجورهم، إلا رجلًا واحدًا ترك أجره فلم يأخذه، فقام هذا المستأجر فثمر المال، فصار يتكسب به بالبيع والشراء وغير ذلك، حتى نما وصار منه إبل وبقر وغنم ورقيق وأموال عظيمة. فجاءه بعد حين، فقال له: يا عبد الله أعطني أجري، فقال له: كل ما ترى فهو لك، من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال: لا تستهزئ بي، الأجرة التي لي عندك قليلة، كيف لي كل ما أرى من الإبل والبقر والغنم والرقيق؟ لا تستهزيء بي. فقال: هو لك، فأخذه واستاقه كله ولم يترك له شيئًا، ثم قال: "اللهم إن كنت فعلت ذلك من أجلك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة، وانفتح الباب، فخرجوا يمشون"؛ لأنهم توسلوا إلى الله بصالح أعمالهم التي فعلوها إخلاصاً لله عز وجل .
التوثيق
- الدرجة: صحيح
- المصدر: متفق عليه
من فوائد الحديث
استحباب الدعاء وقت الكرب وغيره، والتوسل إلى الله -تعالى- بصالح العمل. فضيلة بر الوالدين وفضل خدمتهما وإيثارهما على من سواهما من الولد والزوجة. الحض على العفاف عن المحرمات، ولا سيما بعد القدرة عليها، وترك ذلك لله -تعالى- خالصًا. فضل حسن العهد وأداء الأمانة، والسماحة في المعاملة. استجابة دعاء من توجه إلى الله -تعالى- بصدق وإخلاص في الشدائد، ولا سيما من سبق له عمل صالح. إثبات كرامات أولياء الله الصالحين.