أن هلال بن أمية، قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك ابن سحماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «البينةُ أو حَدٌّ في ظهرك»
معاني المفردات
البينة : هي أربعة شهود. حد في ظهرك : عليك حَدُّ القذف، ثمانون جلدة. يرمون أزواجهم : يتهمونهم بالزنا. موجبة : مسببة للعذاب الأليم إن كانت كاذبة. تلكأت : تباطأت عن إتمام اللعان. نكصت : رجعت إلى ورائها. سابغ الأليتين : تامهما وعظيمهما، والألية المقعدة. خَدَلَّج السَّاقَيْن : عظيمهما. لولا ما مضى من كتاب الله : وهو قوله -تعالى-: {ويدْرَؤ عنها العذاب} يعني يدفع عنها. أكحل العينين : هو أن يعلو جفون العين سواد مثل الكحل من غير اكتحال. شأن : يريد به الرجم.
شرح الحديث
أفاد الحديث أن هلال بن أمية رضي الله عنه قذف امرأته بالزنى عند النبي صلى الله عليه وسلم وفي حضوره، وأن الذي زنى بها شريك بن سحماء رضي الله عنه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أقم البينة على الزنى، فإلم تفعل تجلد حد القذف في ظهرك. فقال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا امرأته تزني أيذهب ويطلب البينة؟ فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: البينة مقررة ومقدمة وإن لم تقم البينة فالثابت عندي حد في ظهرك. وأخرجه أبو يعلى في مسنده بسنده عن أنس بن مالك قال: بلفظ (أربعة شهود وإلا فحد في ظهرك). فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق في قذفي إياها، فلينزلن الله -وهو أمر بمعنى الدعاء- ما يدفع ويمنع ظهري من حد القذف؛ فنزل جبريل، وأنزل -عليه الصلاة والسلام- أي: {والذين يرمون أزواجهم} [النور: 6] : أي: يقذفون زوجاتهم فقرأ: أي: ما بعدها من الآيات حتى بلغ {إن كان من الصادقين} [النور: 9]. فجاء هلال فشهد والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟" الأظهر أنه صلى الله عليه وسلم قال هذا القول بعد فراغهما من اللعان، والمراد أنه يلزم الكاذب التوبة، وقيل: قاله قبل اللعان تحذيرا لهما منه. ثم قامت، فشهدت : أي: لاعنت؛ فلما كانت عند الخامسة من شهادتها حبسوها ومنعوها عن المضي فيها وهددوها، وقالوا: ألا إن الخامسة موجبة، وأن اللعان إنما يتم به ويترتب عليه آثاره، وأنها موجبة للعن مؤدية إلى العذاب إن كانت كاذبة. قال ابن عباس: فتباطأت عنه وتوقفت فيه ورجعت وتأخرت، والمعنى أنها سكتت بعد الكلمة الرابعة، حتى ظننا أنها ترجع عن مقالها في تكذيب الزوج، ودعوى البراءة عما رماها به، ثم قالت: لا أفضح قومي أبد الدهر، أو فيما بقي من الأيام بالإعراض عن اللعان والرجوع إلى تصديق الزوج، فمضت في الخامسة وأتمت اللعان بها. وقال النبي صلى الله عليه وسلم : انظروا وتأملوا فيما تأتي به من ولدها؛ فإن جاءت به أكحل العينين، أي: الذي يعلو جفون عينيه سواد مثل الكحل من غير اكتحال، عظيم الأليتين، وسمين الساقين فالولد لشريك بن سحماء، أي: في باطن الأمر لظهور الشبه، فجاءت به كذلك، والشبه قرينة معتبرة مع غير اللعان. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لولا ما سبق من حكمه بدرء الحد عن المرأة بلعانها لكان لي ولها شأن، أي: في إقامة الحد عليها، أو المعنى: لولا أن القرآن حكم بعدم الحد على المتلاعنين وعدم التعزير لفعلت بها ما يكون عبرة للناظرين وتذكرة للسامعين، وفي ذكر الشأن وتنكيره تهويل وتفخيم لما كان يريد أن يفعل بها لتضاعف ذنبها. وهذا أول لعان كان في الإسلام، وفيه نزلت الآية.
التوثيق
- الدرجة: صحيح
- المصدر: متفق عليه واللفظ للبخاري
من فوائد الحديث
مشروعية التحقق في الأمر لقوله: (أبصروها) لتعلق حق الغير به وإلا الستر أولى. جواز اللعان، وهو إجماع. باللعان يقع التحريم المؤبد ولا تحل له زوجته بعد ذلك أبدًا. أي منهما نكل حُد، إن كان الزوج فللقذف، والمرأة للزنا. في قوله قذف امرأته بشريك بن سمحاء دليل على أنه لا حد على الرامي زوجته إذا لم يطالب المقذوف؛ لأنه ينبغي ألا يسمى؛ لأنه لاضرورة لذلك. الحديث يدل على حقيقة انتقال الصفات الخلقية المنتقلة بالعوامل الوراثية، التي تكون سببًا في تشابه الذرية بأبويها، بواسطة عملية التناسل في النبات والحيوان، ومنه الإنسان. تقديم ظاهر الأحكام الشرعية على القرائن، وإلاَّ إذا فُقدت أصول الأحكام، التي تبنى عليها القضايا. قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لولا ما مضى من كتاب الله، لكان لي ولها شأن" دليلٌ على أن الأحكام الماضية لا تُنْقَض، ما لم تكن مخالفة لنصٍّ من الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة. فيه اعتبار أخبار القافة، واعتبار إلحاقهم، إلاَّ إذا عارضها أصل؛ فإن القرائن لا تقدم على الأصول الثوابت، ومن ذلك الفراش، فإن الشارع الحكيم جعله أصلًا لصاحبه، ويدًا قوية، يثبُتُ له كل ما ولد عليه، فلا يقدم عليه شبه، أو تصادف فصيلة دم ونحوه. الأصل أنَّ من قذف محصنًا بالزنا، فعليه إقامة البيِّنة، وبينة الزنا شهادة أربعة رجال، فإن لم يأت بهذه البينة، فعليه حد القذف: ثمانون جلدة. انتفاء الولد بمجرد اللعان. جواز ذكر الأوصاف المذمومة عند الضرورة.