لعن الله اليهود والنصارى؛ اتَّخَذُوا قبورَ أنبيائهم مساجد
معاني المفردات
لعن الله : أبعد وطرد عن رحمته، والجملة: إما يراد بها أن هذا حصل حقيقة ووقع، أو هو دعاء عليهم. اليهود : من ينتسبون في ديانتهم إلى شريعة موسى -عليه السلام-. النصارى : من ينتسبون في ديانتهم إلى شريعة عيسى -عليه السلام-. اتخذوا : جعلوا. أنبيائهم : جمع نبي، وهو من أوحي إليه بشرع. مساجد : جمع مسجد، وهو المكان المتخذ للعبادة. لولا ذلك : أي: اتخاذ القبور مساجد الذي لعن فاعله. أُبْرِزَ قبره : أظهر في البقيع، أو لكشف وأزيل عنه الحائل بهدم جدران الحجرة. خُشِي : خاف الصحابة.
شرح الحديث
بعث الله الرسل لتحقيق التوحيد، وكان أفضلهم وهو النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا على ذلك، وعلى سد كل وسائل الشرك، وكانت عائشة رضي الله عنها هي التي اعتنت بالنبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه، وهى الحاضرة وقت قبض روحه الكريم. فذكرت أنه في هذا المرض الذي لم يقم منه، خشي أن يتخذ قبره مسجداً، يصلى عنده، فتجر الحال إلى عبادته من دون الله تعالى ، فقال: "لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، يدعو عليهم، أو يخبر أن الله لعنهم، وهذا يبين أن هذا في آخر حياته، وأنه لم ينسخ، يحذر من عملهم، ولذا علم الصحابة رضي الله عنهم مراده؛ فجعلوه في داخل حجرة عائشة، ولم ينقل عنهم، ولا عن من بعدهم من السلف، أنهم قصدوا قبره الشريف ليدخلوا إليه؛ فيصلوا ويدعوا عنده. حتى إذا تبدلت السنة بالبدعة، وصارت الرحلة إلى القبور، حفظ الله نبيه مما يكره أن يفعل عند قبره؛ فصانه بثلاثة حجب متينة، لا يتسنى لأي مبتدع أن ينفذ خلالها.
التوثيق
- الدرجة: صحيح
- المصدر: متفق عليه
من فوائد الحديث
أن هذا من وصاياه الأخيرة التي أعدها لآخر أيامه لتحفظ. أن هذا من فعل اليهود والنصارى، فمن فعله فقد اقتفى أثرهم، وترك سنة محمد -عليه الصلاة والسلام-. النهي الأكيد، والتحريم الشديد من اتخاذ القبور مساجد، وقصد الصلاة عندها غير صلاة الجنازة؛ فذلك ذريعة إلى تعظيم الميت والطواف بقبره والتمسح بأركانه والنداء باسمه، وهذه بدعة عظيمة عمت الدنيا، وعبد الناس القبور وعظموها بالمشاهد ونحوها. أن الصلاة عند القبر، سواء كانت بمسجد أو بغير مسجد، من وسائل الشرك الأكبر. حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على حماية التوحيد واهتمامه بذلك. أن الله -تعالى- صان نبيه -عليه الصلاة والسلام- عن أن يُعْمَلَ الشرك عند قبره، فألهم أصحابه ومن بعدهم، أن يصونوا قبره من أن يبرز. يظن بعض الناس أن قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبيه داخل المسجد، والصحيح أن المسجد محيط به، لكنه ليس في المسجد، بل في حجرة عائشة إلى الآن، وحجرة عائشة ليست من المسجد، ولم يدفن النبي -صلى الله عليه وسلم- في مسجد، ولا بُني على قبره مسجد، وهذه الإحاطة بالحجرة حصلت في عهد الوليد بن عبد الملك، ولم يكن أحد يستقبل الحجرة، فلما صارت التوسعة في عهد الأتراك جعل ما وراء الحجر داخلًا في المسجد، ولكنه بعيد عن القبور جدًا.