كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرُنا إذا كنا سَفْرًا -أو مُسافرين- أن لا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاثَةَ أيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ إِلَّا مِن جَنَابَةٍ، لكن مِن غَائِطٍ وبَوْلٍ ونَوْمٍ
معاني المفردات
ما جاء بك : ما حملك على المجيء. ابتغاء العلم : من أجل طلب العلم. تضع أجنحتها : تكف أجنحتها عن الطيران، وتلتزم السكينة توقيرا لطالب العلم ورِضًى بصنعه. حك في صدري : حصل عندي شك. الغائط : ما يخرج من دبر الإنسان. سَفَرًا : جمع سافر، وهو المسافر. خفافنا : جمع خف، وهو ما يلبس في قدم الإنسان كالحذاء. يأمرنا : الأمر هنا للإباحة والجواز. الجنابة : ما يُوجب الغسل من جماع أو إنزال. الهوى : الحب. أعرابي : نسبة إلى الأعراب، وهم سكان البوادي. الجهوري : الشديد العالي. نحوا من صوته : أي: بصوت مرتفع كصوته. هاؤم : خذ. ويحك : كلمة ترحم وتوجع تقال لمن وقع في سوء لا يستحقه. اغضض : اخفض. لَمَّا يلحقْ بهم : أي: لم يعمل مثل عملهم من حيث الكمال. التوبة : الاعتراف والندم والإقلاع والعزم على ألا يعاود الإنسان ما اقترفه.
شرح الحديث
جاء زرُّ بن حبيش إلى صفوان بن عسال رضي الله عنه يسأله عن المسح على الخفين، فسأله عن السبب الذي جاء من أجله، فقال زر: جئتُ من أجل العلم، فأخبره صفوان أن الملائكة تكف أجنحتها عن الطيران وتلتزم السكينة توقيرا لطالب العلم ورِضًى بما يطلب. فقال زر: إنه قد صار عندي توقف وشك في المسح على الخفين بعد البول أو الغائط هل هذا جائز أو لا؟ فبين له صفوان بن عسَّال رضي الله عنه أن ذلك جائز لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم إذا كانوا مسافرين أن لا ينزعوا خفافهم إلا إذا كان سيغتسل من الجنابة فلا بد من نزع الخف ونحوه، ولكن عند الوضوء من غائط وبول ونوم فإنه يجوز أن يمسح. ثم إن زر بن حبيش سأل صفوان بن عسال: هل سمع من النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الهوى -أي: المحبة- شيئًا؟ فقال: نعم، ثم ذكر قصة الأعرابي الذي كان جهوري الصوت فجاء ينادي: يا محمد؛ بصوت مرتفع. فقيل له: ويحك أتنادي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوت مرتفع؟ والله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} (الحجرات: 2)، ولكن الأعراب لا يعرفون الآداب كثيراً؛ لأنهم بعيدون عن المدن وبعيدون عن العلم. فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بصوت مرتفع كما سأل الأعرابي؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكمل الناس هديًا، يعطي كل إنسان بقدر ما يتحمله عقله، فخاطبه النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ما خاطبه به، قال له الأعرابي: "المرء يحب القوم ولما يلحق بهم"، يعني: يحب القوم ولكن عمله دون عملهم؛ لا يساويهم في العمل، مع من يكون؟ أيكون معهم أو لا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "المرء مع من أحب يوم القيامة". ثم قال: فما زال يحدثنا النبي صلى الله عليه وسلم حتى ذكر بابا من المغرب بين طرفيه أو يسير الراكب بينهما أربعين أو سبعين عاما قِبلَ الشام، خلقه الله عز وجل يوم خلق السماوات والارض مفتوحًا لقبول التوبة حتى تطلع الشمس من المغرب.
التوثيق
- الدرجة: حسن صحيح
- المصدر: رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد
من فوائد الحديث
الحث على طلب العلم وسؤال المكلَّف أهل العلم عما أشكل من أمر دينه. جواز المسح على الخفين، ومدته: للمسافر ثلاثة أيام بلياليها، وللمقيم يوم وليلة. مسح الخفين يكون في الحدث الأصغر فقط. جواز مطالبة السائل للعالم عن دليله أهو نص أم استدلال واجتهاده، وعلى العالم ألا يتحرج من ذلك. التأدب مع العلماء والصالحين، وخفض الصوت في مجالس العلم. تعليم الجاهل حسن الأدب وقواعد السلوك. الاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في حلمه، وحسن خلقه، ومخاطبته الناس على قدر علمهم وعقولهم. الحرص على مجالسة الصالحين والقرب منهم وحبهم. من شأن المحبة أن تجذب المحب إلى طريق من يحب وتحمله على طاعته. فتح باب الأمل والرجاء، والتبشير بالنجاة، واللطف في الموعظة. سعة رحمة الله -عز وجل-، وفتحه باب التوبة. الحث على الإسراع في التوبة ومحاسبة النفس والرجوع إلى الله -تعالى-.