قد كان من قَبْلَكم يُؤخذ الرَّجُل فَيُحْفَرُ له في الأرض، فيُجعل فيها، ثمَّ يُؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيُجعل نِصْفَين، ويُمْشَطُ بأمْشَاطِ الحديد ما دون لحْمِه وعظمه، ما يَصُدُّه ذلك عن دِينِه

عن أبي عبد الله خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً له في ظِلِّ الكعبة، فقلنا أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لنا، ألا تدعو الله لنا؟ فقال: «قد كان من قبلكم يُؤخذ الرجل فيُحفر له في الأرض، فيُجعل فيها، ثمَّ يُؤتى بالمِنْشَارِ فيوضع على رأسه فيُجعل نصفين، ويُمشط بأمشاطِ الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يَصُدُّهُ ذلك عن دينه، والله لَيُتِمَّنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غَنَمِه، ولكنكم تستعجلون». وفي رواية: «هو مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً، وقد لقينا من المشركين شدة».
معاني المفردات

مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً : جاعل البُرْدَة تحت رأسه. البُرْدَة : كِسَاء مخطط يلتحف به. تَسْتَنْصِرُ لنا : تسأل الله النصر لنا. ما يَصُدُّهُ : ما يمنعه أو يصرفه. المِنْشَار : آلة يقطع بها الخشب. دون لحمه : تنفذ إلى ما تحت اللحم، من عظم وعصب. لَيُتِمَّنَّ : ليكمُلن. هذا الأمر : دِين الإسلام. الراكب : المسافر. من صنعاء : بلد باليمن. حضرموت : موضع بأقصى اليمن.

شرح الحديث

في هذا الحديث يحكي خباب رضي الله عنه ما وجده المسلمون من الأذية من كفار قريش في مكة، فجاؤوا يشكون إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فبين النبي -عليه الصلاة والسلام- أن من كان قبلنا ابتلي في دينه أعظم مما ابتلي به هؤلاء، يُحفر له حفرة، ثم يُلقى فيها، ثم يؤتى بالمنشار على مفرق رأسه ويشق نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما بين جلده وعظمه، وهذه أذية عظيمة. ثم أقسم -صلوات الله وسلامه عليه- أن الله سبحانه سيتم هذا الأمر، يعني: سيتم ما جاء به الرسول -عليه الصلاة والسلام- من دعوة الإسلام، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه، ثم أرشد -عليه الصلاة والسلام- صحبه الكرام إلى ترك العجلة؛ فقال: "ولكنكم تستعجلون" أي: فاصبروا وانتظروا الفرج من الله، فإن الله سيتم هذا الأمر، وقد صار الأمر كما أقسم النبي -عليه الصلاة والسلام-.

التوثيق
  • الدرجة: صحيح
  • المصدر: رواه البخاري
من فوائد الحديث

جواز ذِكر ما يتعرض له المسلم من البلاء من باب الإخبار، لا من باب الشكوى. صبر أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- على ما يجدونه من العذاب في سبيل الله -تعالى-. الاستنصار بالقوي. جواز طلب الدعاء ممن هو مجاب الدعوة، أو من أهل الخير والصلاح، بشرط ألا يترك الدعاء اعتمادًا على دعائهم. الدعاء على الكفار وطلب ذلك. تثبيت النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه وأن ما يصيبهم قد أصيب به أمم من قبلهم. مدح الصبر على العذاب في الدين، وأن مع العسر يسرًا. التأسي بالصالحين الذين امتحنوا في دينهم، فصبروا. العداوة بين أهل الحق والباطل قديمة. ثبات أهل الإيمان من الأمم السابقة على دينهم وعدم تركه، مع ما يتعرضون له من أنواع الأذى. الابتلاء من لوازم الإيمان. أن العاقبة لهذا الدِّين، ولو كره الكافرون. الإسلام دِين الأمن والسلام. صدق رسالته -صلى الله عليه وسلم-، فقد أخبر بأمور مستقبلية غيبية، وتحقق ذلك بوعد من الله -تعالى-. تحقق ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم-، من انتشار الإسلام، واستتباب الأمن والسلام. كراهية الاستعجال بالنصر، وأن النصر يأتي مع الصبر.