لما نزلت آية الصدقة كنَّا نُحَامل على ظُهورنا، فجاء رَجُل فَتَصَدَّقَ بشيء كثير، فقالوا: مُراءٍ، وجاء رَجُل آخر فَتَصَدَّقَ بصاع، فقالوا: إن الله لَغَنيٌّ عن صاع هذا! فنزلت: {الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات}
معاني المفردات
نُحَامِلُ : أي: يحمل أحدنا على ظهره بالأجرة ويتصدق بها. مُراءٍ : من الرياء، وهو أن يظهر الإنسان في نفسه خلاف ما هو عليه؛ ليراه الناس من أجل السمعة والشهرة. صَاع : الصاع: مكيال يبلغ وزنه أربعة أمداد، والمد: ملء كفَّي الرجُل المتوسط، ويقدر بثلاثة كيلو تقريبًا. يَلْمِزُونَ : يعيبون. الْمُطَّوِّعِينَ : الْمُتَنَفِّلِينَ. جُهْدَهُمْ : طاقتهم.
شرح الحديث
قال أبو مسعود رضي الله عنه لما نزلت آية الصدقة: يعني الآية التي فيها الحث على الصدقة قال الحافظ: كأنه يشير إلى قوله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) جعل الصحابة رضي الله عنهم يبادرون ويسارعون في بذل الصدقات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كل واحد يحمل بقدرته من الصدقة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء رجل بصدقة كثيرة، وجاء رجل بصدقة قليلة، فكان المنافقون إذا جاء الرجل بالصدقة الكثيرة؛ قالوا: هذا مُراءٍ، ما قصد به وجه الله، وإذا جاء الرجل بالصدقة القليلة؛ قالوا: إن الله غني عنه، وجاء رجل بصاع، قالوا: إن الله غني عن صاعك هذا. فأنزل الله عز وجل : (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم) أي: يعيبون المتطوعين المتصدقين، والذين لا يجدون إلا جهدهم، فهم يلمزون هؤلاء وهؤلاء، (فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم)، فهم سخروا بالمؤمنين؛ فسخر الله منهم، والعياذ بالله.
التوثيق
- الدرجة: صحيح
- المصدر: متفق عليه
من فوائد الحديث
مسارعة الصحابة إلى فعل الطاعات، ومجاهدة أنفسهم على ذلك مع قلة ما في أيديهم. على المسلم أن يعمل ويخلص عمله لله، ولا يلتفت بعد ذلك إلى المُثَبِّطِين. الحث على الصدقة ولو بالشيء اليسير. عدم احتقار المعروف وإن كان قليلًا. على الإنسان أن يطيع ربه قدر استطاعته، ويتصدق بما يقدر عليه وإن قل، وعليه ألا يلتفت إلى الآخرين من المنافقين وأصحاب الدعايات السيئة. فيه ضيق أحوال بعض الصحابة -رضي الله عنهم-. مُدافعة الله -عزو جل- للمؤمنين. شِدَّة عداوة المنافقين للمؤمنين.