يا أم حارثة إنها جِنَان في الجنة، وإن ابْنَك أصَاب الفِردَوْس الأعلى
معاني المفردات
ألا تحدثني عن حارثة : أي: عن حاله ومآله. يوم بدر : أي: غزوة بدر التي كانت بين المسلمين وقريش في السنة الثانية من الهجرة. فإن كان في الجنة صبرت : أي: يسليني عنه علمي بشرف مصيره. وإن كان غير ذلك : أي: وإن كان في النار. اجتهدت عليه في البكاء : من الاجتهاد وهو بذل الوسع في الطلب، أي: أكثرت البكاء عليه. جنان : أي: جنات كثيرة. الفردوس : البستان الذي يجمع كل شيء، والمراد به أنه محل مخصوص في الجنة، وهو أعلاها.
شرح الحديث
معنى الحديث: أن حارثة بن سُرَاقة رضي الله عنه كان قد استشهد يوم بدر بسهم طائش لا يُعرف مصدره، فجاءت أُمَّه إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله عن مصيره وخشيت ألا يكون من الشهداء؛ لأنه قتل برمية غير مقصودة ولم يكن ممن حضروا المعركة، كما هو مصرح به في الحديث: "وكان قُتل يوم بَدْر أصابه سهم غَرْب" أي لا يعرف راميه، أو لا يُعْرَف من أي جهة جاء. وفي رواية عند أحمد والنسائي: عن أنس رضي الله عنه : "أن حارثة خَرَج نَظَّارا أي: من الذين طلبوا مكاناً مرتفعاً ينظرون إلى العدو، ويخبرون عن حالهم، فأتاه سَهْم فقتله". ولهذا قالت رضي الله عنها : "فإن كان في الجَنَّة صَبَرت عليه"، أي: صبرت على فقده، واحتسبته عند الله، مستبشرة بقتله في سبيل الله، وفوزه بالشهادة. "وإن كان غير ذلك اجْتَهدت عليه في البكاء"؛ لأني خَسرته، وخَسِر حياته دون فائدة. قال: يا أم حارثة، إنها جنان" أي: جَنَّات كثيرة، كما جاء مصرحًا به في رواية البخاري : "أجنة واحدة هي؟ إنها جِنَان كثيرة، وإنه في الفردوس الأعلى"، والمراد به مكان مخصوص من الجنة، هو أفضلها وأعلاها، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : "إذا سألتم الله، فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقه عَرْش الرحمن، ومنه تُفَجَّر أنهار الجَنَّة"، ومعنى أوسط الجنة :خيارها، وأفضلها وأوسعها.
التوثيق
- الدرجة: صحيح
- المصدر: رواه البخاري
من فوائد الحديث
كل من خرج في سبيل الله فقتل فهو شهيد. معرفة ما أعد الله للمتقين تهوِّن مصائب الدنيا عند المؤمنين. جواز البكاء عند المصيبة. أن الجَنَّة فيها جِنَان ومنازل، وأن الشهداء في أعلاها. فضيلة حارثة بن النعمان -رضي الله عنه- وأنه أصاب الفردوس الأعلى. الجنة درجات أعلاها الفردوس. من صفات الداعية التبشير والتلطف بمن أصيب بمصيبة. جواز البكاء على الميت وإن كان قتيل المعركة يظن له الشهادة. إذا رأى المسلم أمراً لا يخالف الشريعة عند أهل الميت لم ينكره ويسكت عنه.