أي بني، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن شر الرعاء الحطمة، فإياك أن تكون منهم

أنَّ عَائِذَ بن عَمْرو رضي الله عنه دَخَل على عُبَيد الله بن زياد، فقال: أي بُنَيَّ، إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّ شَرَّ الرِّعَاءِ الحُطَمَةُ» فَإِيَّاك أَن تَكُون مِنهُم، فقال له: اجْلِس فَإِنَّما أَنْت مِن نُخَالَةِ أَصحَاب محمَّد صلى الله عليه وسلم فقال: وهل كَانَت لَهُم نُخَالَة؟! إِنَّمَا كَانَت النُخَالَة بَعدَهُم وَفِي غَيرِهِم.
معاني المفردات

الرِّعَاءِ : جمع راع. الحُطَمَة : أي: العنيف في رعيته، لا يرفِق بها في سوقها ومرعاها، بل يحطمها في ذلك وفي سقيها، ويزحم بعضها ببعض بحيث يؤذيها. النُخَالَة : ما بقي في الغِربال بعد نَخْل الدقيق، والمراد: ليست من فضلائهم وعلمائهم وأهل المراتب منهم، بل من سَقَطهم.

شرح الحديث

دخل عائذ بن عمرو رضي الله عنه على عبيد الله بن زياد وهو أمير العراقين بعد أبيه، فقال: "إني سمعت رسول الله يقول: إن شرّ الرعاءالحطمة"، والحُطَمَة: هو العنيف برعاية الإبل في السوق والإيراد والإصدار، ويلقي بعضها على بعض ويعسفها، ضَرَبَه مثلاً لوالي السوء، والمراد منه اللفظ القاسي الذي يظلمهم ولا يرق لهم ولا يرحمهم. وقوله: (فإياك أن تكون منهم) من كلام عائذ نصيحةً لابن زياد. فما كان من ابن زياد إلاَّ أن أجابه: (إنما أنت من نخالتهم)، يعني لست من فضلائهم وعلمائهم وأهل المراتب منهم بل من سَقَطِهم، والنخالة هنا استعارة من نخالة الدقيق، وهي قشوره، والنخالة والحقالة والحثالة بمعنى واحد، قوله. فردَّ عليه الصحابي الجليل رضي الله عنه : (وهل كانت لهم نخالة؟! إنما كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم)، هذا من جزل الكلام وفصيحه وصدقه الذي ينقاد له كل مسلم؛ فإِنَّ الصحابة رضي الله عنهم كلهم هم صفوة الناس، وسادات الأمة، وأفضل ممن بعدهم، وكلهم عدول قدوة، لا نخالة فيهم، وإنما جاء التخليط ممن بعدهم وفيمن بعدهم.

التوثيق
  • الدرجة: صحيح
  • المصدر: رواه مسلم
من فوائد الحديث

استحباب نصح الرجل لأبنائه. أمر الأمراء بالمعروف، ونهيهم عن المنكر برفق. مشروعية نصيحة الأمراء. التزام الصحابة -رضي الله عنهم- بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أنه لا يجوز للإنسان الذي ولاه الله -تعالى- على أمر من أمور المسلمين أن يكون عنيفًا عليهم؛ بل يكون رفيقًا بهم. إصلاح الأمة وصلاحها يكون بِقَوْدِهَا إلى الطريق القويم باللين. خير الناس للناس من كان هيِّناً ليِّناً. وجوب الرفق بمن ولاه الله عليهم بحيث يرفق بهم في قضاء حوائجهم وغير ذلك، مع كونه يستعمل الحزم والقوة والنشاط، يعني لا يكون لينًا مع ضعف، ولكن لينًا بحزمٍ وقوةٍ ونشاطٍ. جُرْأَة عائذ بن عمرو -رضي الله عنه- في الرد على عبيد الله بن زياد، وبيانه له أنَّ الصحابة كلهم سادة وأفاضل، ولم يعرف السقط والنخالة إلا بعد قرنهم. فضل الصحابة -رضي الله عنهم-.