قوموا فلأصلي لكم

عن أَنَس بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه «أنَّ جَدَّتَهُ مُلَيكَة دَعَت رسول الله صلى الله عليه وسلم لِطَعَام صَنَعتُه، فَأَكَل مِنه، ثم قال: قُومُوا فَلِأُصَلِّي لَكُم؟ قال أنس: فَقُمتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قد اسوَدَّ من طُولِ مَا لُبِس، فَنَضَحتُه بماء، فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وَصَفَفتُ أنا واليَتِيمُ وَرَاءَهُ، والعَجُوزُ مِن وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَكعَتَين، ثُمَّ انصَرَف». ولمسلم «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى به وبِأُمِّه فَأَقَامَنِي عن يَمِينِه، وأقام المَرأةَ خَلْفَنَا».
معاني المفردات

فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ : النضح الرش، وقد يراد به الغسل. مُلَيْكَةَ : هي بنت مالك بن عدي الأنصارية النجَّارية. دَعَت رَسُولَ اللَّه : طلبت حضوره. لكم : لأجلكم؛ لتعليمكم أو لحلول البركة في منزلكم. حَصِيرٍ : فراش منسوج من سعف النخل. طُولِ مَا لُبِسَ : طول مدة ما استُعمل. اليتيم والعجوز : اليتيم: من مات أبوه قبل بلوغه، والمراد به: ضميرة بن أبي ضميرة الحميري مولى النبي -صلى الله عليه وسلم-.العجوز: المرأة الكبيرة السن، والمراد بها: مليكة. ثم انصرف : رجع من عندهم. أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ : أوقفني للصلاة معه. المرأة : أم أنس.

شرح الحديث

دعت مليكة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته، وقد جبله الله تعالى على أعلى المكارم وأسمى الأخلاق، ومنها التواضع الجم، فكان على جلالة قدره وعلو مكانه يجيب دعوة الكبير والصغير، والذكر والأنثى، والغني والفقير، يريد بذلك الأهداف السامية، والمقاصد الجليلة من جبر قلوب البائسين، والتواضع للمساكين، وتعليم الجاهلين، إلى غير ذلك من مقاصده الحميدة، فجاء إلى هذه الداعية، وأكل من طعامها، ثم اغتنم هذه الفرصة ليعلِّم هؤلاء المستضعفين الذين ربما لا يزاحمون الكبار على مجالسه المباركة، فأمرهم بالقيام ليصلي بهم، حتى يتعلموا منه كيفية الصلاة، فعمد أنس إلى حصير قديم، قد اسود من طول المكث والاستعمال، فغسله بالماء، فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بهم، وصف أنسا، ويتيما معه، صفا واحدا خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وصفت العجوز-صاحبة الدعوة- من وراء أنس واليتيم، تصلي معهم، فصلى بهم ركعتين، ثم انصرف صلى الله عليه وسلم بعد أن قام بحق الدعوة والتعليم صلى الله عليه وسلم ، ومنَّ الله علينا باتباعه في أفعاله وأخلاقه.

التوثيق
  • الدرجة: صحيح
  • المصدر: الرواية الأولى: متفق عليها. والرواية الثانية: رواها مسلم
من فوائد الحديث

ما كان عليه -صلى الله عليه وسلم- من التواضع، وإجابة دعوة الداعي، ولو كان امرأة. صحة مصافة الذي لم يبلغ في الصلاة؛ لأنَّ اليتيم يطلق على من مات أبوه ولم يبلغ. الأفضل في موقف المأمومين، أن يكونوا خلف الإمام. موقف المرأة، يكون خلف الرجال. جواز الاجتماع في النوافل التي لم يشرع لها اجتماع، إذا لم يتخذ ذلك عادة مستمرة. جواز الصلاة، لقصد التعليم بها، أو غير ذلك من المقاصد الدينية النافعة المفيدة. تواضع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكرم خلقه. استحباب إجابة دعوة الداعي، لاسيما لمن يحصل بإجابته جبر خواطرهم، وتطمين قلوبهم، ما لم تكن وليمة عرس، فعند ذلك تجب إجابة الدعوة. الافتراش يسمى لبسا. عناية الإسلام بمنع الاختلاط.