بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة، فاستقبلوها
معاني المفردات
آت : وهو رجل من بني سلمة. أُنْزِلَ عَلَيْهِ : أنزل الله عليه، وكان ذلك بعد صلاة الظهر مباشرة، في النصف من شهر رجب، في السنة الثانية من الهجرة. اللَّيْلَةَ : يحتمل أنَّ هذا المُخبِر لم يعلم بنزول الآية إلا في الليل فظنَّ أنَّها نزلت ليلا، كما يحتمل أنه أراد بها اليوم الذي قبلها فأطلق الليلة عليه. قرآن : هو قوله تعالى: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ، [البقرة: 144]. أُمِرَ : أمره الله. أَنْ يَسْتَقبِلَ القِبلَةَ : يتجه إليها حين صلاته. فَاسْتَقبِلُوهَا : أمر لأهل قباء باستقبال الكعبة، وفي لفظ آخر للحديث بفتح الباء: أن أهل قباء استقبلوا القبلة حين أخبرهم الآتي بذلك. وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ : وهذه الجملة إلى آخر الحديث من قول ابن عمر. إلَى الشَّامِ : أي بيت المقدس. فَاسْتَدَارُوا : انحرفوا.
شرح الحديث
خرج أحد الصحابة إلى مسجد قباء بظاهر المدينة، فوجد أهله لم يبلغهم نسخ القبلة، ولا زالوا يصلون إلى القبلة الأولى، فأخبرهم بصرف القبلة إلى الكعبة، وأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد أُنزل عليه قرآن في ذلك -يشير إلى قوله تعالى:{ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ}، [البقرة: 144] وأنه صلى الله عليه وسلم استقبل الكعبة، فمن فقههم وسرعة فهمهم وصحته استداروا عن جهة بيت المقدس -قبلتهم الأولى- إلى قبلتهم الثانية، الكعبة المشرفة.
التوثيق
- الدرجة: صحيح
- المصدر: متفق عليه
من فوائد الحديث
القبلة: أوَّل الهجرة كانت إلى بيت المقدس، ثم صرفت إلى الكعبة. أن قبلة المسلمين، استقرت على الكعبة المشرفة، فالواجب استقبال عينها عند مشاهدتها واستقبال جهتها عند البعد عنها. أن ما يؤمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- يلزم أمته إلا بدليل. أفضل البقاع: هو بيت الله؛ لأن القبلة أقرت عليه، ولا يقر هذا النبي العظيم وهذه الأمة المختارة إلا على أفضل الأشياء. جواز النسخ في الشريعة، خلافا لليهود ومن شايعهم من منكري النسخ. أنَّ من استقبل جهة في الصلاة ثم تبين له الخطأ أثناء الصلاة استدار ولم يقطعها، وما مضى من صلاته صحيح. أنَّ الحكم لا يلزم المكلف إلا بعد بلوغه، فإن القبلة حُوِّلت وبعد التحويل وقبل أن يبلغ أهل قباء الخبر صلوا إلى بيت المقدس، ولم يعيدوا صلاتهم. جواز تنبيه من ليس في الصلاة لمن هو فيها، وإن استماع المصلي لكلامه لا يضر صلاته. خبر الواحد الثقة -إذا حفَّت به قرائن القبول- يصدق ويعمل به ويفيد العلم. قبول الخبر عن طريق الهاتف واللاسلكي ونحوهما في دخول شهر رمضان أو خروجه، وغير ذلك من الأخبار المتعلقة بالأحكام الشرعية؛ لأنه وإن كان نقل الخبر من فرد إلى فرد، إلا أنه قد حف به من قرائن الصدق، مما يجعل النفس تطمئن ولا ترتاب في صدق الخبر، والتجربة المتكررة أيدت ذلك.