أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم سَمِعَ جَلَبَةَ خَصْمٍ بِبَابِ حُجْرَتِهِ
معاني المفردات
جَلَبَة : هِي اخْتِلاطُ الْأَصْوَاتِ. يَذرْهَا : يَتركها. أَبْلَغ مِنْ بَعْضٍ : أَفْصَح في كَلَامِهِ مِنْه، وَأَقْدَر عَلَى إِظْهَار حُجَّتِهِ. فَأَحْسَبُ : فأَظُنّ وَأَعْتَقِد.
شرح الحديث
سمع النبي صلى الله عليه وسلم أصوات خصوم مختلطة؛ لما بينهم من المنازعة والمشاجرة عند بابه، فخرج إليهم؛ ليقضي بينهم، فقال: إنما أنا بشر مثلكم، لا أعلم الغيب، ولا أخبر ببواطن الأمور؛ لأعلم الصادق منكم من الكاذب، وإنما يأتيني الخصم لأحكم بينهم، وحكمي مبني على ما أسمعه من حجج الطرفين وبيِّناتهم وأيْمَانِهِم، فلعل بعضكم يكون أبلغ وأفصح وأبينَ من بعض؛ فأحسب أنه صادق مُحِق؛ فأقضي له، مع أن الحق -في الباطن- بجانب خصمه، فاعلموا أن حكمي في ظواهر الأمور لا بواطنها، فلن يحل حراما؛ ولذا فإن من قضيت له بحق غيره وهو يعلم أنه مبطل، فإنما أقطع له قطعة من النار، فليحملها إِن شاء، أو ليتركها، فعقاب ذلك راجع عليه، والله بالمرصاد للظالمين.
التوثيق
- الدرجة: صحيح
- المصدر: متفق عليه
من فوائد الحديث
أن الصحابة بشر ليسوا بمعصومين، وأنه يحصل بينهم الخصومة، لكنهم أفضل البشر بعد الأنبياء. أَنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- لا يعلمُ الغَيْبَ والأُمُورَ الباطِنَة إلا بِتَعْلِيمِ اللهِ لَهُ، وفي ذلك ردٌّ على الذين يغلون فيه. فِيهِ تَسْليَةٌ وَعَزَاءٌ لِلحُكَّام، فإنَّهُ إِذَا كَانَ النبي-صلى الله عليه وسلم- قدْ يَظُن غَيرَ الصَّوَابِ؛ لقُوةِ حُجَّةِ الْخَصْم فيَحكُم له، فإن غيره من باب أولى وأحرى. أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما كُلِّفَ بِالْحُكم بِالظَّاهِر. يُؤخَذُ منهُ العمل بالظَنِّ، وبناء الحكم عليه، حيث قال: فأحسب أنه صادقٌ، وهو أمر مجمعٌ عليه بالنسبة للحاكم والمفتي. التَقْييدُ بِ (المسْلِم) في قوله: (بحق مسلم) خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِب، وإِلا فَمثله الذِّمِّي والمعَاهَد. أنَّ حُكْمَ الحاكم لا يُحِيلُ مَا في البَّاطِن، ولا يحِلُّ حَرَاماً. قوله: "فليحملها أو ليذرها" فيه تهديد شديد ووعيد أكيد على من أخذ أموال الناس بالدعاوى الكاذبة، والحيل المحرمة، فهذا التعبير شبيه بقوله تعالى {اعملوا ما شئتم}. يُؤْخذُ منه مَوعِظةُ القاضي للخُصوم.